الأحد، 5 يناير 2020

أيران وكلي أذان ...

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏٢‏ شخصان‏، و‏‏أشخاص يقفون‏‏‏


محمد مطاوع يكتب عن :
============

العلاقات الأمريكية الإيرانية
.................الشيطان الأعظم ومحور الشر
==========================
................................عداء راسخ وتساهل غامض
                          ==================
محور الشر هو النعت الذى صكه الرئيس الأمريكي جورج بوش الأبن أثناء حرب ما تعرف بتحرير الكويت على إيران ، بينما الشيطان الأعظم هو ذلك المصطلح الذى ذاع صيته على أمريكا والذى أطلقه قائد الثورة الإيرانية "الخميني" بمجرد عودته من منفاه فى ضاحية (نوفل لو شاتو) بباريس إلى مطار "مهرباد" بالعاصمة الإيرانية إثر نجاح الثورة بالإطاحة بالشاه "محمد رضا بهلوى" والذى يمثل آخر سلالة ملوك الأسرة القاجارية ، والذى أضفى على نفسه الكثير من ألألقاب التى تتخطى حاجز الأبهة والفخفخة وتصل لحدود القداسة والعبادة مثل (شاهنشاه ) ومعناه بالفارسية ملك الملوك ، و(آريا مهر) وترجمته نور الآريين ، وكانت تلك الألقاب الأثيرة هى انعكاس لنفسية نرجسية ظهرت واضحة جلية فى اسلوب حياته ، فبات مستغرقاً فى نعيم مقيم يرفل فى بساط من الدمسق ، ويتنعم بالديباج والحلى والحلل ، فكانت قصوره المنيفة التى منها قصر (نيافاريان) هى انعكاس لحياة الرفاهية الأسطورية التى يحياها ، فقد كان هذا القصر الفخيم يقبع على تل عال واسع يطل منه على بانوراما للعاصمة طهران كلها ، وتحيط بالقصر ربوع يانعة خضراء ، تتخللها أشجار باسقة وارفة تزدان بألوان زاهية من الأزهار المعبقة بشذا أريج عطر فواح ، وتنعكس زرقة السماء على صفحة البحيرات الصافية المتناثرة وسط الخضرة الخلابة ، وتعكس أشعة الشمس ألوان الطيف من شلالات المياه المتماوجة لأعلى من ثلة النافورات محدثة خريراً متناغماً ، وفوق كل ذلك عرش الطاووس الأسطورى المرصع بالياقوت والزمرد والألماس ، مشاهد عز تحاكى مجد وعظمة آل ساسان الذى قال فيهم الشاعر "البحترى" عن مجدهم البائد فى سنيته الرائعة التى استلها بـ : صنت نفسى عما يدنس نفسى وترفعت عن جدا كل جبس

وكأن الإيوان من عجب الصنعة ..... جوب فى جنب أرعن جلس
مشمخر تعلو له شرفات ..... رفعت فى رؤوس رضوى وقدس

ليس يُدرى أصنع أنس لجن ..... سكنوه أم صُنع جن لإنس

وكان شاه إيران بظلمه واستبداده وطغيانه وبغائه مضرب الأمثال فى التفانى فى عمالته لأمريكا ، وأمست إيران بدورها رمزاً للدلال الأمريكى والحارس الأمين لمصالحها ، وديدبانها الذى لا يغمض له جفن ، وضابط إيقاع الأمن بالمنطقة وفقاً للتصورات الأمريكية .
فاستولى على جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى الإماراتية بكل بساطة وسلاسة ، وحظى ما كان يريده من العراق بإعادة ترسيم الحدود فيما بينهما على شط العرب باتفاقية الجزائر عام 1975 بينه وبين "صدام حسين" نائب رئيس جمهورية العراق وقتها والذى بمقتضاها لا يستطيع العراقيون الاستحمام فى مياه شط العرب بعد أن أغمضت أمريكا عينها كثيراً عن مساعداته لمصطفى البرزانى زعيم حزب العمال الكردستاني الذى يبغي الاستقلال بقوميته الكردية عن العراق ، ، كما أقدم قبلها بطلب من السلطان "قابوس بن سعيد حاكم (عمان ) بإخماد الثورة ذات الطابع الشيوعى فى (ظفار) فى تصرف متفرد عجيب ، فالسلطان قابوس مذهبه أباضى من بقايا الخوارج ، والشاه مذهبه شيعى إثنا عشرى ، والإثنان نقيضان لا يلتقيان ، ومع ذلك قام الشاه الشيعي الفارسي بالقضاء على الحركة الشيوعية فى بلاد العرب بطلب من السلطان الخارجى !
وكان النفوذ الأمريكى الطاغى فى إيران ثمرة لتغلب أمريكا على روسيا فى الاستحواذ عليه بعد صراع طويل ومرير منذ نهاية الحرب العالمية الأولى بلغ تحكم الأمريكان فى مفاصل الدولة الإيرانية مداه ، فقد عُين الدكتور الأمريكى "ميلزبو" مديراً للشئون المالية الإيرانية وأعطى سلطات تنفيذية على الحياة الإقتصادية بأسرها تقريباً ، كما شغل الجنرال " كليرنس س ريدلى" منصب رئيس البعثة العسكرية فى الجيش الإيرانى ، وعُين الكولونيل "نورمان شوارسكوبف " مستشاراً للحكومة وأصبح بعد ذلك مديراً لبوليس الاقاليم ، وعُين الجنرال "دونالد كونللي" رئيساً لقيادة الخليج الفارسي المستقلة ومقرها (عبدان) ، أما الجنرال "باتريك بورللي" فقد عثين ممثلاً شخصياً للرئيس "روزوفلت" فى إيران ، ولم يقتصر الأمر على هؤلاء المسؤولين ذوى السلطات الواسعة ، بل كانوا يترأسون مجموعة كبيرة من مواطنيهم الموظفين داخل إيران
وقد ازداد هذا النفوذ واستشرى بعد ما يعرف بالانقلاب المضاد ضد حركة الدكتور "محمد مصدق" عام 1953.
كانت حركة مصدق هى أولى الحركات التى نادت بالعدالة الاجتماعية والتحرر الوطنى فى المنطقة مما جعلها مصدر إلهام لكل المنادين بالعدالة الاجتماعية فيما بعدها ، ونجحت هذه الحركة فى كسر احتكار الشركات الأجنبية للبترول الإيراني وتأميمه ، وعلى الرغم من أن شركة (بريتش بتروليم) الإنجليزية كانت هى المستحوذة على النصيب الأكبر من البترول الإيرانى والتى كانت فى صراع مع شركة (أرامكو) الأمريكية ، إلا أن وكالة الاستخبارات الأمريكية هى التى أعادت شاه إيران بانقلاب قاده الجنرال "فضل الله زاهدي" وكان اسمه الحركي (آجاكس) . فى مشهد يصل لدرجة التطابق فيما حدث فى مصر فى انقلابها الأول ضد "محمد نجيب" وانقلابها الثانى ضد "محمد مرسي" .
ووصل التناغم بين الشاه وأمريكا مبلغه حينما قال الشاه لضابط المخابرات الأمريكية الذى خطط لهذا الانقلاب "كيرميت روزفلت " : "إننى مدين لعرشي لله ولشعبى ولجيشي ولك " ، وكان الشاه يقابل مندوب وكالة المخابرات الأمريكية فى طهران مرة واحدة كل أسبوع ، وفى عام 1973 تم تعيين "ريتشارد هلمز" رئيس وكالة المخابرات الأمريكية سفيراً لأمريكا فى إيران .
وحينما كان يزور الشاه أمريكا كانوا يهيئون له لقاءً ترفيهياً حميمياً ورومانسياً مع حسناوات هوليوود ، بالتزامن مع تواجد زوجته "ثريا أسفنديارى" وسط نجوم هوليوود
ومما يبرز سيكولوجية العلاقة المعقدة بين الطرفين أنه على الرغم من تحكم الأمريكيين فى مفاصل الحكم فى إيران هو حادث اغتيال الجنرال "رازم آراه" رئيس وزراء إيران عام 1951 ، سبب الاغتيال فقط لأنه محسوب على الولايات المتحدة الأمريكية على الرغم من قيامه بدور أساسي بالتخلص من حركة "جعفر أفشناري " الذى كان يريد أن ينفصل بشرق إيران .
أما عن حادث وأصداء الاغتيال فقد كانت مفعمة بالكراهية لأمريكا بالرغم من حرارة العلاقات على المستوى الرسمي .
فقد تم اغتيال "رازم آراه" أثناء دخوله مسجد "شاه" ليشارك فى جنازة أحد رجال الدين ، وقبض على قاتله وهو ما زال يصيح (الله أكبر ) ..وعندما سألوه عن اسمه لم يكن يجيب إلا بقوله "عبد الله " ، وعندما ضغط عليه ليقر باسمه الثانى كان يقول "موحدي" أى مؤمن بالله الواحد ، ولكن اسمه الحقيقي كان "خليل طهمسبي" وعضواً فى جماعة "فدائيان الإسلام " المتطرفة والتى كان يقودها "نواب صفوي " .
وكان رد فعل التيار الدينى فى البرلمان الإيراني والذى يمثله "آية الله أبو القاسم الكاشاني" والذى أصبح رئيساً للبرلمان فيما بعد هو ذلك البيان شديد اللهجة والذى كان خلاصته أن الرصاصات التي أودت "رازم آراه " قتيلاً كانت مباركة من الله .
وكان بيان "نواب صفوى" رئيس المنظمة التي أغتالته والذى عنونه بـ (هوالعزيز) أكثر حدة ، فقد طالب الشاه بالإفراج عن القاتل فوراً وتقديم الاعتذار له لما لحقه من ضيق بسبب استجوابه ولم يكتف بمخاطبة الشاه مجرداً من ألقابه ، بل ناداه بسر بهلوي أي يا أبن بهلوي .
أما أكثر المواقف غرابة في رجل أمريكا الذي تم اغتياله هو فشل الحكومة في إحضار إمام واحد يقوم بأداء صلاة الجنازة عليه ، وقد عرض "فهيمي" القائم بأعمال رئيس الوزراء على أحد الأئمة ثلاثة آلاف جنيه ليقوم بأداء صلاة الجنازة عليه ، لكن الإمام أخبره بأن حياته أغلى من ذلك بكثير .
واكتظت الشوارع من المتظاهرين من أنصار حزب تودة الشيوعي وهم يصيحون ( مورد بادى ترومان ) أى الموت لترومان الذى كان رئيساً لأمريكا وقتها .
وبعد مرور سنوات عديدة امتدت من بداية الخمسينات إلى منتصف السبعينات تحت حكم الشاه الاستبداى المطلق ، ففي عام 1976 تم إنشاء ما يعرف بنادى السفاري الاستخباري من قبل خمسة من قيادات المخابرات للدول المؤسسة له وهم : "الكسندر دي مارنش " مدير مصلحة المخابرات بالخارجية الفرنسية ، وكمال أدهم رئيس المخابرات السعودية ، وأشرف مروان رئيس المخابرات العامة المصرية ، وأحمد الدليمي مدير مراقبة التراب الوطني المغربى ، والجنرال " نعمت الله ناصري " رئيس منظمة الاستخبارات والأمن الوطنية الإيرانية المعروفة اختصاراً بالسافاك ، كانت مهمة نادى السفاري بالأساس مقاومة المد الشيوعي وخصوصاً فى أفريقيا ، ولكن هذا النادي هو الذي مهد لعملية التسوية السلمية المنفردة التى قامت بها مصر مع إسرائيل ، إضافة لإنشاء قوة الانتشار السريع المخولة بالحفاظ على مصالح الشركات الكبرى وخصوصاً الأمريكية منها ، وتم عقد الاجتماع الأول لهذا النادي فى المملكة العربية السعودية ، وترأس هذا النادى السعودى تاجر الأسلحة الأشهر "عدنان غاشقجي " والذى كان له علاقاته الحميمية مع دوائر المخابرات الأمريكية والإسرائيلية ، واختيرت القاهرة لتكون مركزاً لإقامة النادي ، بينما تكفلت فرنسا بتزويد المركز بالمعدات الفنية للاتصالات والأمن ، وقد أعد للنادي ليكون مركزاً للاتصالات في باريس وضم قاعة اجتماعات سرية ، ومركز اتصالات دولي أسفل مطعم فاخر من مطاعم الدرجة الأولي ليكون ستاراً لدخول وخروج الشخصيات المهمة بحرية وسرية وأمان .
ومن مشاهد العظمة وحياة البلهنية التى عاشها الشاه هو ذلك الاحتفال الأسطورى الذي أقامه عام 1971 وسط أنقاض مدينة (برسيبوليس) التاريخية احتفالاً بمرور 25 قرناً على تكوين الإمبراطورية الفارسية القاجارية والذى دعا فيه ملوك ورؤساء العالم كان شاه إيران وضيوفه يتناولون الكافيار ولحم الطاووس ونبيذ شاتو لافيت الذي يعود لعام 1945 في خيام مكيفة ، كما تعاقدوا مع 180 نادلاً من أفضل الفنادق في مدينة سانت موريتز السويسري ، وكان يتم إحضار المأكولات رأساً من مطعم (مكسيم ) بباريس

وبعد فترة قليلة من زيارة الرئيس الأمريكى كارتر لإيران عام 1978 وتصريحه أثناء تبادل نخب رحيق الورد مع الشاه بأن إيران هى جزيرة الاستقرار فى محيط متلاطم من القلاقل زلزلت الثورة الإيرانية عرش الطاووس وكسرت الكؤوس وأطاحت بالرؤوس ، وتحولت العلاقة الإيرانية الأمريكية من تحالف استراتيجى إلى عداء مطلق ..

الجزء الثاني من المقال :
=============
بمناسبة مقتل قاسم سليماني تكملة عما كتبته عن :
: محور الشر والشيطان الأعظم
.............{مأساة رجل أمريكا في إيران}
لكل ثورة في العالم شعارها الذي عليه قامت وبه عُرفت ..فكان شعار الثورة الفرنسية ( حرية مساواه أخاء Liberté, égalité, fraternité) ..وتركز شعار الثورة البلشفية حول العدالة الاجتماعية ، وكان شعار الحركة المباركة كما كان اسم ثورة 23 يوليو في بدايتها أيام وزارة نجيب الأولى هو (الإتحاد والنظام والعمل ) ورفعت ثورة 25 يناير شعار (عيش حرية عدالة إجتماعية كرامة إنسانية ) ، بيد أن الهتاف العالي والشعار السائد للثورة الإيرانية التي وقعت في فبراير 1979 بالفارسية (مرك برأمريكا ) وبالعربية (الموت لأمريكا) ، والمتتبع للأحداث في إيران يدرك بإن هذا الشعار كان لأسباب داخلية محضة ..فلقد حكم إيران قبل الثورة الشاه محمد رضا بهلوي الذي كان بمثابة الشرطي الأمريكي الذي يضبط إيقاع الأمن في أكثر المناطق في العالم ثراءً ، وكان بطغيانه وفساده مصدر سخط من شعبه ضده وضد الأمريكان على السواء .
كانت سجون الشاه ممتلئة . وقد قدرت منظمة العفو الدولية عام 1976 عدد المسجونين السياسيين في إيران بحوالي 7500 وإن كانت بعض التقديرات قد وصلت بالرقم إلى 100 الف سجين ولم يعترف الشاه نفسه بأكثر من ثلاثة آلاف . وفي عام 1975 ، بلغ اعضاء عصابات المدن من الذكور والإناث الذين قتلوا رمياً بالرصاص بعد محاكمات سرية 174 حسب التقديرات الرسمية لوزارة الداخلية ، كان من المعروف أن فاعلية البوليس السري الإيراني (السافاك) تستند على القتل والتعذيب إلى حد كبير جدا
وكان النظام السياسي قائماً على نظام الحزب الواحد وهو حزب النهضة (الرستخير)
كان الإيرانيون من جميع الطبقات يعتقدون وهم على حق أن الأجانب هم أكبر المستفيدين . فقد كان يوجد أنذاك في إيران ما بين 50 ألف إلى 60 ألف خبير ورجل أعمال أمريكي يتحصلون على أجور مرتفعة ويقطنون مساكن فاخرة ويتمتعون بطعام فاخر .كما كان يوجد الاف من الألمان والبريطانيين واليابانيين يحظون بنفس المزايا
وضرب شاه إيران المثل في فساده المالي واستئثاره بالثروة وعند احتدام الثورة الشعبية كان الشاه قبل خروجه من إيران حريصاً على تأمين وضعه المالي .قوة الغنى بديلاً لقوة السلطة . وكان قد خرج بثروة ضخمة تفاوتت حولها التقديرات وتراوحت حولها الأرقام ما بين خمسة بلايين دولار إلى عشرين بليون دولار . لكن الشاه كان ينفخ في الهواء من فمه عادة حين تضيق من حوله الأقاويل ثم يقول : (هل يعرف هؤلاء الذين يهذون بهذه الأرقام ماذا يعني بليون دولار ؟ إنه جبل من أوراق النقد ).
وحين خروجه من إيران أراد أن يأخذ معه إلى المنفى جواهر التاج على الأقل ، وكان ما يريده على وجه الخصوص هي التيجان التى استخدمها في تتويج نفسه والإمبراطورة وولي العهد . كانت كل هذه الجواهر مودعة في خزائن البنك المركزي (بنك مللي) وكان موظفو البنك مضربين في ذلك شأنهم في ذلك شأن الكثيرين ، فأمر الشاه كتيبة من الحرس الملكي الذي يسمى الخالدين ( وهو نفس الاسم الذي كان يطلق على الحرس الخاص لأكاسرة الفرس) أن ترغم المسؤولين في البنك على تسليم المجوهرات المطلوبة . وهكذا كانت كتيبة الحرس المكلفة بالمهمة تتجه في عرباتها المدرعة متحدية المتظاهرين ، ثم تضطر للعودة صفراء الأيدي ، لأن هذه الكنوز المودعة داخل خزائن على عمق عشرين متراً
تحت الأرض لا يمكن العثور على الموظفين الذين يعرفون أرقامها السرية ...وهكذا في النهاية كانت احتياطات الأمن العديدة التى اتخذها الشاه قد تسببت في إحباط مخططه . واضطر أن يغادر البلاد دون التيجان ، وظلت التيجان المؤمن عليها بما يوازي 2500 إلى 500 بليون دولار دولار حسبما يقال ـ في البنك
ولم يستطع الحرس الملكي أن يجيئه بمجوهرات التاج فلم يضع في حقائبه منها إلا ما كان موجوداً بالقصر الملكي حين بلغ الزلزال أشده .
ووضع الثوار الإيرانيون المسؤلية الكاملة على الأمريكان وطالبوا أمريكا بأن تسلمهم الشاه وأموالهم وقاموا في سبيل ذلك بالإستيلاء على السفارة الأمريكية واحتجاز جميع أعضائها واعتبارهم رهائن ضاربين عرض الحائط بكل القوانين الدولية المتثلة في حصانة وحماية الدبلوماسيين .
أما عن رجل أمريكا وأمينها المخلص الشاه رضا بهلوي فقد ضاقت به الأرض بما رحبت تخلى عنه الأمريكان بشكل مأساوي فلم تنفعه أمواله ..
وطار الشاه وحاشيته لأسوان مباشرة ، وحاولت السلطات المصرية أن تحيط وصوله بكل الهيبة الممكنة ، وتم اقناع بعض الناس بالخروج إلى الشوارع للترحيب به ، ولكنها كانت في الواقع محالة بائسة ، فالشاه نفسه كان رجلاً حزيناً حائراً ، لا يزال عاجزاً عن إدراك ما حدث له ، وراح يلقى باللوم على مستشاريه وعلى الأمريكيين ، يقول إنه محاط بسياج من المنافقين أخفوا عنه الحقيقة ، بل إنه في بعض اللحظات كان على استعداد لأن يلقي باللوم على الإمبراطورة متهماً إياها بأنها كانت جزءاً من المؤامرة التي حيكت ضده
قضى الشاه خمسة أيام فقط في أسوان طار بعدها في 22 يناير إلى مراكش بالمغرب ، وكان من المفروض أن يقضي خمسة أيام أخرى هناك ينتقل بعدها إلى الولايات المتحدة ، ولكنه بعد الوصول مباشرة تلقى رسالة من زوج ابنته ، أردشير زاهدي سفير إيران في واشنطون تفيد أن السلطات الأمريكية قد غيرت رأيها ، وإنه لن يقابل بالترحاب ، لذا فمن الأفضل له أن يبقى في المغرب . وإذا كان ذلك قد سبب له خيبة الأمل ، فقد سبب الحرج لمضيفه . فقد تظاهر الطلبة المغاربة ضد الشاه عند وصوله واستمروا في ذلك . وبما كان للثورة الإيرانية في ذلك الوقت من سحر خاص لدى المسلمين أينما كانوا فإن وجود الشاه في أي دولة إسلامية كان يشكل خطراً بالنسبة لحكومتها . وأخيراً أحس الشاه من نفسه بالحرج ولكنه بعث للملك الحسن يقول له " إنه ليس من المناسب أن يرحل الآن ، ذلك لأنه كان على إتصال دائم بالحرس الملكي الذي ظل محتفظاً بولائه التام له ، وإنه يتوقع طلباً بالعودة إلى طهران في لحظة ، وإنه لو عاد من الولايات المتحدة فسيبدو الأمر كما لو كانت وكالة المخابرات المركزية هي التي رتبت لعودته" . وسكت الملك الحسن على مضض لكنه بعد قليل بعث رئيس ديوانه ليشرح للشاه " إنه على الرغم من أن الملك يود كثيراً منحه حق اللجؤ السياسي إلا أن التغيير الكبير الذي طرأ على الموقف سيجعل الأمر مستحيلاً"
وكان الباب موصداً في كل من المغرب والولايات المتحدة الأمريكية ، ولم يجد له أصدقاؤه ـ ديفيد روكلفر وهنري كيسنجر ـ سوي المكسيك لتكون ملجأ له . ولكن ظهرت في ذلك الوقت تقيدات غير متوقعة إذ أن الحكومة الجديدة في طهران بادرت بإلغاء جوازات السفر الامبراطورية الزرقاء التي كان يحملها الشاه وأسرته أثناء رحلاتهم ، وذلك من ضمن الإجراءات الأولى التي اتخذتها ..وقد أرادت الحكومة المكسيكية أن تعرف أي جوازات سوف يسافرون بها . ولم يكن المغاربة على استعداد لتزويد الشاه بجوازات سفر ، لأن هذا يعني أن كل الحاشية سوف تتوقع ذلك أيضاً ، وقد يستخدمون هذه الجوازات للعودة بها للمغرب وهذا شئ لم يكن الملك الحسن يرغب فيه على الإطلاق ، وهكذا وصلت الأمور لطريق مسدود
ودق جرس التليفون ذات يوم في مكتب الأمير صدر الدين أغا خان رئيس هيئة الإغاثة الدولية للاجئين بالامم المتحدة بجنيف . فردت السكرتيرة وأخبرته أن هناك مكالمة خارجية من سيدة تقول بأنها "الإمبراطورة فرح" . ولكن الأمير لما أخذ التليفون تعرف على الصوت ، وقالت الإمبراطورة "آسفة لإزعاجك ، لكننا نواجه صعوبة بخصوص جوازات السفر . إذ يقول البيروقراطيون في المكسيك إننا يجب أن نقدم لهم قطعة ورق كي يختموها . هل يمكن أن تساعدنا ؟" ، وأخبرته أن الأميرة أشرف كانت على اتصال دائم بكورت فالدهايم في نيويورك بخصوص تلك المشكلة ، وهي تأمل أنه سوف يكون من الممكن أن تصدر لهم الأمم المتحدة جوازات سفر تابعة لها أو تصدرها لهم باعتبارهم لاجئين . لقد دارت الدائرة حقاً ، وها هي ذي إمبراطورة إيران تتوسل أن تمنح هي والشاهنشاه بطاقة اللاجئين
وخرج شاه إيران من طهران بدعوة من الولايات المتحدة ، ووعد بأن يستقبلوه في بلادهم وينزلوه فيها ملجأً آمناً ، وفجأةً بعثوا إليه في أسوان ثم في مراكش ب "أردشير زاهدي" زوج ابنته السابق وسفيره اللاحق في واشنطون ـ يقولون له أنهم لا يستطيعون استقباله في الولايات المتحدة ـ على الأقل في الوقت الحالي ـ لأنهم لا يريدون إحراج أنفسه مع النظام الجديد في إيران
ولم ترض الحكومة البريطانية أن تعطيه تأشيرة سفر إلى إنجلترا ليقضي بعض الوقت في مزرعة جميلة كان قد اشتراها في "سرى" لأن لها مصالح دائمة مع إيران لا دخل لها بصداقات قديمة مع الشاه ، ورفضت سويسرا أن تمنحه تأشيرة دخول إليه ليقضي ولو إياماً يستريح فيها في فيلا "سوفريتا" التي دفع فيها ستة ملايين دولار في "سان موريتز" ، ولم ترد فرنسا أصلاً على طلب للشاه بالذهاب إليها للعلاج خصوصاً وأن أطباءه أيام عرش الطاووس كانوا فرنسيين وكانوا هم الذين اكتشفوا مبكراً إصابته بالسرطان الليمفاوي ، ثم إن لديهم مراكز متقدمة لعلاجه ، وكان تعليق شاه إيران على الصمت الفرنسي هو قوله بالحرف ( لقد كان "جيسكار ديستان" رئيس الجمهورية الفرنسية الأسبق) يلعق حذائي وفي يوم من الأيام جاء من باريس لسان موريتز ليشرب شاي معي
ثم وجدوا له ملاجئ مؤقتة ومستشفيات نصف مجهزة في جزر "البهاما" وفي "المكسيك" ، ثم تبين أن حالته تستدعي علاجاً لا يتوفر في غير الولايات المتحدة ، ورق قلبهم وأبلغوه وأمر بإعداد طائرته ثم عادوا يطلبون منه إرجاء سفره إليهم أربعة وعشرين ساعة
ولم يكد يتماثل للشفاء بعد جراحة في نيويورك حتى طلبوا إليه المغادرة إلى بلد آخر لأن إيران هائجة مائجة ضد دخوله مستشفى في الولايات المتحدة ، وحين وافقهم على الرحيل من الولايات المتحدة في ظرف ثماني وأربعين ساعة أبلغوه بأنه يتحتم عليه أن يرحل قبل أربع وعشرين ساعة فقد رتبوا له ملجأ آخر في "بنما" بعد أن رفضت "المكسيك" عودته إليها . ثم نقلوه من جناحه إلى القسم الخاص بالأمراض العصبية حتي يتسرب انطباع خروجه من المستشفى ، وفي اليوم التالي غادر المستشفى من الباب الخلفي باب دخول البضائع وخروج المخلفات .
وكان له رجاء واحد وهويرحل إلى بنما أن يكون في البيت الذي اختاروه له تليفون مباشر مع العالم الخارجي لأن الإمبراطورة سوف تصاب بالجنون إذا عاشت في مكان معزول ولم تستطع أن تتصل بأصدقائها في العالم الخارجي ووعدوه خيراً فسوف يبحثون هذا الأمر مع الجنرال "عمر توريخوس" ديكتاتور "بنما" في ذلك الوقت .
ووصل الاجتراء بمرافقه الأمريكي – وهو محام استأجرته شقيقيته الأميرة أشرف لتدبير أموره – أثناء مناقشة بينهما اختلف فيها رأي كل منهما على مسألة فرعية – إلى حد أن يقول للشاه (يظهر يا صاحب الجلالة إنك أصبحت مختلاً عقليا) ..ونظر إليه الشاه ساهماً ولم يقل شيئاً
وعندما استقر في بنما راح الأمريكيون وراء ظهره يتفاوضون على تسليمه للحكومة الإيرانية ، وصدر بالفعل قرار من محكمة دعيت على عجل في الليل باحتجازه ، وعرف مبكراً بالقرار فهرع إلى المطار وركب طائرة إلى القاهرة ، وفكر أحد مساعدي كارتر في احتجاز طائرته في أي محطة تقف فيها بين بنما والقاهرة ليظل ورقة في معادلة التفاوض بين طهران وواشنطون حول أزمة الرهائن .
واكتشف الشاه بمحض المصادفات في الطائرة أن هناك اسماً رمزياً كان يطلق على تحركاته في أوراق الإدارة الأمريكية ووثائقها وأن هذا الاسم أُلصق به منذ لحظة مغادرته طهران ، وعرف أن هذا الاسم الرمزي بالحرف هو الخازوق
وحين نزل إلى مطار القاهرة كان أول ما قاله للرئيس "السادات" والدموع في عينيه هو (لقد عرفت أنهم كانوا طول الوقت يسمونني الخازوق )
وهناك واقعة مشهورة مكتومة في نفس الوقت عن صديق للشاه من الأيام القديمة وهو من أسرة مالكة أوروبية مرموقة عمل وكيلاً له في بعض أعماله ثم ادعى أمامه في ذات يوم القاهرة ضياع سبعين مليون دولار منه
وكان الشاه يجز عن أسنانه ويقول ) كيف تختفي سبعين مليون دولار ؟ هل اختفت في المجاري ؟)
وظلت السبعون مليون دولار ضائعة ولم تظهر حتى الآن.
واسوأ من ذلك حدث له مع مدير أعماله في سويسرا "بهبهانيان" ، كان "بهبهيان" هو موضع ثقة الشاه والمسؤل عن إدارة جانب كبير من استثماراته .
وعندما اتضح لذي عينين أن الشاه فقد عرشه بالتأكيد ـ اختفى "بهبهانيان" من سويسرا واختفت معه سكرتيرته ، ومع الإثنين اختفت أيضاً ملايين كثيرة من الدولارات بعضهم يقدرها بالمئات وبعضهم أكثر
ويوم عرف الشاه أن "بهبهيان" فرد جناحيه وطار إلى مكان مجهول وحمل سكرتيرته معه ، حبس نفسه في غرفته
كان عليه أن يصرخ في صمت فلم يكن يستطيع إبلاغ بوليس أو الاحتكام إلى قضاء
ويبدو أن الرئيس السادات كان قد أقنع نفسه لسبب أو آخر بأن الأزمة سوف تنتهي بعودة الشاه إلى عرشه في إيران وهكذا قرر استضافته في قصر القبة وهو المقر الرسمي لرئاسة الجمهورية في مصر ، لكن الشاه كان بقرب نهاية رحلة حياته ، فقد دخل مستشفى المعادي واحتار الأطباء في علاجه ، وكانت آخر كلمات خرجت من شفتيه هو قوله للأطباء المختلفين حول فراشه بيأس رجل فقد الرغبة في الحياة ذاتها :
أيها السادة : أنا لا أعرف ماذا تقولون ..ولكن بالله عليكم اتفقوا على رأي واحد ثم افعلوا ما تريدون بعد ذلك
وأغمض عينيه ولم يفتحهما بعد ذلك
ولم تكن آخر مآسيه فقد وقع له ميتاً عكس ما كان قد أوصى به ، قالت الإمبراطورة "فرح" للذين في يدهم الأمر بعد أن أصبح زوجها جثة هامدة (كانت وصيته أن يدفن في احتفال ديني بسيط في مسجد الرفاعي حيث رقد من قبل والده لسنوات ثم يُنقل جثمانه بعد ذلك حينما تسنح الظروف إلى إيران)
ولكن السادات رفض وأصر على جنازة عسكرية ، وحاولت الإمبراطورة فرح أن تقاوم ولم يكن في مقدورها القرار الأخير ، وأكثر من ذلك وجدت نفسها تسير في جنازة عسكرية بطيئة وطويلة وثقيلة ، ثم هي مخالفة لوصية رجل أحس بالموت يقترب منه وهو في أسوأ حالات بالمرض والعزلة والهوان
https://www.facebook.com/mometawh/posts/1690787491008849

ً

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

العدو أسرائيل ... أمس واليوم وغدا

                                                                                                                                         ...